تأملات في مقولة " مصر أم الدنيا "
تأملات
في مقولة " مصر أم الدنيا "
بعض البلدان العربية تجد بعض أقرادها
ممن لا يعلمون قدر و مكانة مصر بين الدول العربية و تأثيرها الايجابي في شتي نواحي الحياة ، تجدهم يسخرون
من مقولة " مصر أم الدنيا "
نجد الجزائريين و المغاربة يسخرون
من مقولة مصر أم الدنيا و يقولون " بتندر و سخرية " لو مصر أم الدنيا
إحنا أبوها !!
و من المثير للسخرية أن هؤلاء
أنفسهم هم السبب أصلا في ظهور و انتشار هذه المقولة الشهيرة " مصر أم الدنيا
" ، فكيف ذلك ؟
عندما تقرأ تاريخ مصر ستكتشف العجب
، فقد كانت مصر تقريبا أكثر بلدان العالم استقبالا للمهاجرين من كل بلدان العالم
تقريبا ، و بمعني أدق الهاربين من جحيم التعذيب أو الحروب أو الاضطهاد في بلادهم .
علي سبيل المثال لا الحصر :
عندما اجتاحت المجاعات بلاد
المغرب و الجزائر هرب الآلاف من أهلها خوفا من الجوع و لم يجدوا ملاذا لهم سوي مصر
فكانوا يأتون إليها في شكل قبائل كاملة بالألاف و كان ذلك منذ ما يقارب 400 عام .
و عندما طرد الاسبان المسلمين
المخلطين المعروفين باسم الموريسكيين Moriscians لم يجدوا بلدا تستقبلهم سوي مصر حيث استقر أكثريتهم في
محافظات كفر الشيخ و المنصورة ، ومع مرور الزمن أصبح كل مغربي يعيش في مصر يستقبل
قريب له ليعيش في مصر و كانوا يعملون بالتجارة و يكسبون الكثير من المال ، ومن
الطريف أنه حتي بعد تحسن الأحوال المعيشية في بلاد المغرب و الجزائر رفض الكثير منهم العودة لبلادهم و فضلوا
البقاء و الاستقرار في مصر بل أكثر من ذلك أن زادت اعداد
المهاجربن لمصر من بلاد المغرب العربي خاصة وقت موسم الحج عندما كان المغاربة
يذهبون للحج في مكة المكرمة و عند عودتهم من رحلة الحج عبر الاراضي
المصرية كانت تستهويهم الحياة في مصر فيستقرون بها و يقرروا عدم العودة لبلادهم .
أيضا منذ ما يقارب 150 عام مضت
عندما قامت حرب أهلية كبيرة في لبنان بين الدروز The Druze و الموارنة Maronites لدرجة أن
الدروز كانوا يقتلون كل يوم أكثر من 1000 لبناني ماروني و هؤلاء لم يجدوا ملاذ لهم
سوي مصر فهاجروا إليها بالآلاف و معظمهم استقر في محافظة المنصورة و خرج منهم رئيس لبنان المعروف
" أمين الجميل " ، أما الدروز أنفسهم فقد هربوا أيضا أثناء حروبهم إلي
مصر و كان من أشهر هؤلاء الفنان الكبير فريد الأطرش و أخته أسمهان ، و هكذا فقد
استقبلت مصر مهاجرين من كل الأطراف المتحاربة في لبنان .
في بدايات القرن العشرين حدثت
مذابح الأرمن Armenians الشهيرة علي يد الأتراك Turks فهرب الأرمن من جحيم الأتراك
و لم يجدوا ملاذا آمنا لهم سوي مصر ، و قد اشتغل الأرمن في مصر في مجالات كثيرة و
خرج منهم فنانات مصريات شهيرات " نيلي و لبلبة و فيروز و أنوشكا " و لا يزال الأرمن يعيشون بيننا للآن دون تفرقة
أو تمييز .
أثناء احتلال تركيا لسوريا فكانوا
يضيقون الخناق علي السوريين خاصة المثقفين و المفكرين فلم يجدوا سوي مصر ملاذا آمنا ليهربوا اليها
و علي أيديهم دخلت مهنة الصحافة إلي مصر و ازدهرت و منها انطلقت الي العالم العربي
. عندما مزقت الحرب الأهلية بلاد اليونان
هربوا بالآلاف إلي مصر و شكلوا جالية
كبيرة عاشت عمرا طويلا في مصر .
حتي الإيطاليين أثناء الحربين
العالميتين الأولي و الثانية هربوا من جحيم الحرب إلي مصر و لم يجدوا أجمل منها ليعيشوا و
يستقروا بها و كانت مدينة الاسكندرية و المنصورة أكبر المناطق لتجمعهم ، ومن أشهرهم الفنانة
الايطالية الجنسية المصرية المولد " داليدا " المولودة في حي شبرا بالقاهرة ، حتي آخر ملوك
ايطاليا " فيكتور ايمانويل الثالث " Victor Emmanuel III الذي ولد بمدينة نابولي في ايطاليا و توفي في 28 ديسمبر 1947
بمدينة الاسكندرية في مصر حيث دفن بها و أعيد جثمانه إلي ايطاليا بعد سبعين عاما
ليدفن في مدينة فيكوفورتي Vicoforte .
كذلك آخر ملوك ايران " الشاه
محمد رضا بهلوي " لم يجد سوي مصر تستقبله ليقضي بها آخر سنة له .
أما أعظم ثائر كونغولي "
بياتريس لومومبا " Beatrice
Lumumba عندما قامت
بلجيكا بقتله بوحشية تم تهريب أبناءه الي مصر ليعيشوا بها في ظل حكم و رعاية
الرئيس جمال عبد الناصر ، حتي المماليك Mamluks العبيد
الذين قدموا لمصر من أواسط بلاد روسيا فقد أقاموا بها دولتهم و قدموا لمصر بالآلاف .
أما أرق و أطهر من هرب إلي مصر
فكانت السيدة زينب " حفيدة رسول الله " صلي الله عليه و سلم وعائلتها الطاهرة من أهل البيت
الشريف حيث لم تجد أفضل من مصر لتستقبلها و لازال المصريين للآن يحتفلون بقدومها
الي مصر في كل عام يوم مولدها الشهير .
و قبلها بسنوات طويلة عندما هربت
عائلة سيدنا يوسف عليه السلام من جحيم المجاعة فلم يجدوا ملاذا سوي أخوهم
ليستقبلهم في مصر و يعيشون جميعا علي أرض مصر لمئات السنين و يشكلوا بها القبائل الاسرائيلية الرئيسية
التي تحولت الي ألد أعداء مصر بعد ذلك .
أما الهجرة السودانية إلي مصر
فكانت مستمرة عبر التاريخ .
عجبا أمرك يا مصر !! كل العالم كان يعاني إما حروب أو مجاعات فلم يجد سوي
مصر ليهرب إليها ، في حين أن مصر التي لاقت الكثير من الأهوال و الحروب عبر
تاريخها مع ذلك لم تشهد في أي فترة من فترات التاريخ أي هجرة جماعية خرجت منها لأي
مكان في العالم ، فعندما حدثت المجاعة في مصر في أحد الأزمنة كان الناس يموتون من
الجوع لدرجة نبش القبور و أكل الجثث ، مع ذلك لم يفكروا في تركها و الهجرة لمكان
آخر .
.. فمصر كانت
عبر تاريخها و حتي الوقت الحاضر دولة جاذبة للسكان للعيش بها ، و حتي مع المشاكل
الاقتصادية التي مرت بها في العصر الحديث و نقمة بعض الافراد علي الاوضاع فنجد من يحاول الهجرة و ترك البلاد و لكن مع ذلك
تجده لا يستطيع الابتعاد عنها و يظل مرتبط بها لآخر لحظة في حياته .
عارف يعني ايه بلد يهرب إليه الناس من " الجزائر و المغرب و ليبيا
وتونس والسودان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والجزيرة العربية واليونان وقبرص
وأرمينيا وخوارزم وأوزبكستان وإيطاليا ....
أليست كل هذه البلاد كانت يوما ما " كل الدنيا " ؟!
( مصر احتضنت القادمين إليها من كل دول العالم حتي أصبحت بمثابة أم لهم
جميعا )
الآن فهمت ماذا يعني أن تكون مصر اكبر دولة عربية من حيث
عدد السكان ، فهمت معني
" مصر أم الدنيا "
تعليقات
إرسال تعليق